فصل: الحديث الخَامِس:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الرَّابِع:

عَن حُذَيْفَة رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «فضلنَا عَلَى النَّاس بِثَلَاث: جعلت لنا الأَرْض مَسْجِدا، وَجعل ترابها طهُورا...».
هَذَا الحَدِيث ذكره الإِمَام الرَّافِعِيّ دَلِيلا لنا عَلَى اعْتِبَار التُّرَاب فِي التَّيَمُّم، ثمَّ بَين وَجه الدّلَالَة مِنْهُ فَقَالَ: عدل إِلَى ذكر التُّرَاب بعد ذكر الأَرْض فلولا اخْتِصَاص الطّهُور بِهِ بِالتُّرَابِ لقَالَ: جعلت الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا. هَذَا لَفظه، وَهُوَ عَجِيب؛ فقد ثَبت ذَلِك فِي عدَّة أَحَادِيث صَحِيحَة كَمَا ستعلمه، وَأما الحَدِيث بِاللَّفْظِ الَّذِي ذكره فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من حَدِيث أبي عوَانَة، عَن أبي مَالك الْأَشْجَعِيّ، عَن ربعي بن حِرَاش- بحاء مُهْملَة، ثمَّ رَاء، ثمَّ ألف، ثمَّ شين مُعْجمَة- عَن حُذَيْفَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «جعلت لنا الأَرْض كلهَا مَسْجِدا، وَجعلت تربَتهَا لنا طهُورا، وَجعلت صُفُوفنَا مثل صُفُوف الْمَلَائِكَة».
ثمَّ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث سعيد بن مسلمة، حَدَّثَني أَبُو مَالك الْأَشْجَعِيّ بِهَذَا الْإِسْنَاد مثله، وَقَالَ: «جعلت الأَرْض كلهَا لنا مَسْجِدا وترابها لنا طهُورا إِن لم نجد المَاء».
وَرَوَاهُ أَبُو عوَانَة فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي عوَانَة بِهِ بِلَفْظ: «فضلنَا عَلَى النَّاس بِثَلَاث: جعلت لنا الأَرْض مَسْجِدا، وَجعل ترابها لنا طهُورا إِذا لم نجد المَاء، وَجعلت صُفُوفنَا كَصُفُوف الْمَلَائِكَة».
قلت: والْحَدِيث فِي صَحِيح مُسلم عَن أبي بكر بن أبي شيبَة، حَدثنَا مُحَمَّد بن فُضَيْل، عَن أبي مَالك، عَن ربعي، عَن حُذَيْفَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «فضلت عَلَى النَّاس بِثَلَاث: جعلت صُفُوفنَا كَصُفُوف الْمَلَائِكَة، وَجعلت لنا الأَرْض مَسْجِدا، وَجعلت تربَتهَا لنا طهُورا إِذا لم نجد المَاء». وَذكر خصْلَة أُخْرَى ثمَّ قَالَ مُسلم وَأَنا أَبُو كريب، عَن مُحَمَّد بن الْعَلَاء ثَنَا بن أبي زَائِدَة، عَن سعد بن طَارق، حَدَّثَني ربعي، عَن حُذَيْفَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «فضلنَا عَلَى النَّاس بِثَلَاث...». وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث مُسَدّد، عَن أبي عوَانَة، عَن أبي مَالك، عَن ربعي، عَن حُذَيْفَة بِهِ وَزَاد: «وَأُوتِيت هَؤُلَاءِ الْآيَات من آخر سُورَة الْبَقَرَة من كنز تَحت الْعَرْش، لم يُعْطه أحد قبلي وَلَا أحد بعدِي» وَهَذِه هِيَ الْخصْلَة الَّتِي لم يذكرهَا مُسلم.
وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه من حَدِيث ابْن فُضَيْل، عَن أبي مَالك بِهِ بِلَفْظ: «فضلنَا عَلَى النَّاس بِثَلَاث جعلت لنا الأَرْض كلهَا مَسْجِدا، وجعلت ترابها لنا طهُورا إِذا لم نجد المَاء، وَجعلت صُفُوفنَا كَصُفُوف الْمَلَائِكَة، وَأُوتِيت هَذِه الْكَلِمَات من آخر سُورَة الْبَقَرَة من بَيت تَحت الْعَرْش لم يُعْط مِنْهُ أحد قبلي وَلَا أحد بعدِي».
وَوَقع لِابْنِ حزم فِي كِتَابه الإيصال وهم فَاحش فِي سَنَد هَذَا الحَدِيث، فَجمع بَين الإسنادين اللَّذين أخرجهُمَا مُسلم، وَقَالَ: سعد بن طَارق الَّذِي رَوَى عَنهُ ابْن أبي زَائِدَة غير أبي مَالك الَّذِي رَوَى عَنهُ ابْن فُضَيْل. ثمَّ أخرج بِسَنَدِهِ إِلَى مُسلم: نَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة وَأَبُو كريب، قَالَ ابْن أبي شيبَة: نَا مُحَمَّد بن فُضَيْل، عَن أبي مَالك الْأَشْجَعِيّ، وَقَالَ أَبُو كريب: نَا ابْن أبي زَائِدَة- وَهُوَ زَكَرِيَّا- عَن سعد بن طَارق ثمَّ اتّفق أَبُو مَالك وَسعد كِلَاهُمَا عَن ربعي، عَن حُذَيْفَة. وَهَذَا عَجِيب فَأَبُو مَالك هُوَ سعد بن طَارق بِعَيْنِه، كناه ابْن فُضَيْل فِي الْإِسْنَاد، وَسَماهُ ابْن أبي زَائِدَة، لَا خلاف فِيمَا ذكرته بَين العارفين بأوائل هَذِه الصَّنْعَة، لَا جرم اعْترض عَلَيْهِ فِي ذَلِك ابْن دحْيَة فِي كِتَابه التَّنْوِير وَقَالَ: ابْن حزم أحفظ أهل زَمَانه لَكِن غفل عَن حفظ المولد والوفاة والأسماء والكنى؛ فَفِي تواليفه من الفضائح القبائح مَا لَا غطاء عَلَيْهِ، مِنْهَا هَذَا الْموضع فِي كتاب الإيصال وَهُوَ خَمْسَة وثَلَاثُونَ مجلدًا، استوعب أَبْوَاب الشَّرَائِع. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر بن مفوز الْمعَافِرِي: لم يَأْتِ فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث بِهَذِهِ السوءة وَإِلَّا وهُوَ قد جهلهم كل الْجَهَالَة ثمَّ حط عَلَيْهِ، ثمَّ إِن ابْن حزم أتبع هَذِه الفضيحة بِأُخْرَى فَقَالَ: ابْن أبي زَائِدَة الَّذِي رَوَى عَنهُ أَبُو كريب هُوَ زَكَرِيَّا. وَإِنَّمَا هُوَ ابْنه يَحْيَى بن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة- نسبه إِلَى جده فَتنبه لذَلِك.
وَأما حَدِيث «جعلت لنا الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا» فَلهُ طرق:
أَحدهَا: من حَدِيث جَابر بِلَفْظ: «أَعْطَيْت خمْسا لم يُعْطهنَّ أحد من الْأَنْبِيَاء قبلي» فعد مِنْهَا «وَجعلت لي الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا» أودعهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا.
ثَانِيهَا: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: «فضلت عَلَى الْأَنْبِيَاء بست: أَعْطَيْت جَوَامِع الْكَلم، ونصرت بِالرُّعْبِ، وَأحلت لي الْغَنَائِم، وَجعلت لي الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا، وَأرْسلت إِلَى الْخلق كَافَّة، وَختم بِي النَّبِيُّونَ» فأودعه مُسلم فِي صَحِيحه.
ثَالِثهَا: من حَدِيث عَوْف بن مَالك بِلَفْظ: «أَعْطَيْت أَرْبعا لم يُعْطهنَّ أحد كَانَ قبلنَا، وَسَأَلت رَبِّي الْخَامِسَة فَأَعْطَانِيهَا: كَانَ النَّبِي يبْعَث إِلَى قومه فَلَا يعدوها، وبعثت كَافَّة إِلَى النَّاس، وأرهب منا عدونا مسيرَة شهر، وَجعلت لي الأَرْض طهُورا ومساجد، وَأحل لنا الْخمس وَلم يحل لأحد كَانَ قبلنَا، وَسَأَلت رَبِّي الْخَامِسَة فَسَأَلته أَن لَا يلقاه عبد من أمتِي يوحده إِلَّا أدخلهُ الْجنَّة فَأَعْطَانِيهَا» أودعهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه وَهُوَ حَدِيث عَظِيم.
وَفِي مُسْند أَحْمد وسنَن الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن مُحَمَّد بن عَلّي أَنه سمع عَلّي بن أبي طَالب يَقُول: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «أَعْطَيْت مَا لم يُعْط أحد من الْأَنْبِيَاء فَقُلْنَا: مَا هُوَ يَا رَسُول الله؟ قَالَ: نصرت بِالرُّعْبِ، وَأعْطيت مَفَاتِيح الأَرْض، وَسميت: أَحْمد، وَجعل لي التُّرَاب طهُورا، وَجعلت أمتِي خير الْأُمَم» وَرَوَى الْحَافِظ أَبُو بكر الجوزقي من حَدِيث أنس مَرْفُوعا: «جعلت لي كل أَرض طيبَة مَسْجِدا وَطهُورًا».
وَفِي فَوَائِد أبي عبد الله الثَّقَفِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح عَن أبي أُمَامَة رَضي اللهُ عَنهُ أَن نَبِي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «إِن الله فضلني عَلَى الْأَنْبِيَاء- أَو قَالَ: أمتِي عَلَى الْأُمَم- بِأَرْبَع: أَرْسلنِي إِلَى النَّاس كَافَّة، وجعل الأَرْض كلهَا لي ولأمتي طهُورا ومسجدًا؛ فأينما أدْركْت الرجل من أمتِي الصَّلَاة فَعنده مَسْجده وَطهُوره، ونصرت بِالرُّعْبِ- يسير بَين يَدي- مسيرَة شهر يقذف فِي قُلُوب أعدائي، وَأحلت لي الْغَنَائِم».
وَذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «إلمامه» عَنهُ وَقَالَ: رَوَاهُ عَن قوم مُوثقِينَ وَفِي صَحِيح ابْن حبَان من حَدِيث أبي ذَر: «أَعْطَيْت خمْسا لم يُعْطهنَّ أحد قبلي: بعثت إِلَى الْأَحْمَر وَالْأسود، وَأحلت لي الْغَنَائِم وَلم تحل لأحد قبلي، ونصرت بِالرُّعْبِ فيرعب الْعَدو مسيرَة شهر، وَجعلت لي الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا، وَقيل لي: سل تعطه، فاختبأت دَعْوَتِي شَفَاعَة لأمتي يَوْم الْقِيَامَة، وَهِي نائلة إِن شَاءَ الله- تَعَالَى- لمن لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا».
وَنقل أَحْمد فِي مُسْنده عقب رِوَايَته لهَذَا الحَدِيث عَن مُجَاهِد أَنه كَانَ يرَى أَن الْأَحْمَر: الْإِنْس، وَالْأسود: الْجِنّ. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي جَامع المسانيد: وَالَّذِي عَلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ أَن الْأَحْمَر الْعَجم، وَالْأسود الْعَرَب، وَالْغَالِب عَلَى ألوان الْعَرَب السمرَة، وَعَلَى ألوان الْعَجم الْبيَاض. قَالَ أَبُو عمر: المُرَاد بالأحمر: الْأَبْيَض، وَمِنْه قَوْله لعَائِشَة: «يَا حميراء».
فَائِدَة: رَوَى الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي مُعْجَمه من حَدِيث أنس رَفعه: «فضلت عَلَى النَّاس بِأَرْبَع: بالسخاء والشجاعة، وَكَثْرَة الْجِمَاع، وَشدَّة الْبَطْش» وروينا من حَدِيث السَّائِب ابْن أُخْت النمر «فضلت عَلَى الْأَنْبِيَاء بِخمْس... فَذكر مِنْهَا: ونصرت بِالرُّعْبِ شهرا أَمَامِي وشهرًا خَلْفي».

.الحديث الخَامِس:

«أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ تيَمّم بِتُرَاب الْمَدِينَة وأرضها سبخَة».
هَذَا حَدِيث صَحِيح، فَأَما تيَمّمه بترابها فَلَا شكّ فِيهِ، وَآيَة التَّيَمُّم نزلت بهَا أَيْضا إِمَّا سنة أَربع أَو سنة سِتّ وَلَا خلاف أَن أَرض مَدِينَة سيدنَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ سبخَة. وَمن الْأَحَادِيث المصرحة بِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ تيَمّم بترابها مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي الْجُهَيْم- بِضَم الْجِيم وَالْيَاء، كَمَا قَالَه أَبُو مَسْعُود وَخلف، وَيُقَال لَهُ أَيْضا: أَبُو الجهم. كَمَا حَكَاهُ غَيرهمَا ابْن الْحَارِث الْأنْصَارِيّ قَالَ: «أقبل النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من نَحْو بِئْر جمل فَلَقِيَهُ رجل فَسلم عَلَيْهِ، فَلم يرد عَلَيْهِ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حتَّى أقبل عَلَى الْجِدَار فَمسح بِوَجْهِهِ وَيَديه ثمَّ رد عَلَيْهِ السَّلَام» وَأوردهُ مُسلم تَعْلِيقا، وَهُوَ أحد الْأَحَادِيث المقطوعة فِي كِتَابه، وَقد وجدت كلهَا مَوْصُولَة فِي غَيره، كَمَا قرر الْحَافِظ رشيد الدَّين الْعَطَّار فِي مُصَنفه فِي ذَلِك، وبئر جمل مَوضِع بِالْمَدِينَةِ فِيهِ مَال من أموالها فَثَبت بِهَذَا الحَدِيث وَبِغَيْرِهِ من الْأَحَادِيث الْآتِي بَعْضهَا فِي الْبَاب «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ تيَمّم بِتُرَاب الْمَدِينَة» وَلَا يُقَال إِن ذَلِك الْموضع الْمُتَيَمم مِنْهُ يحْتَمل أَن يكون غير سبخ؛ فقد قَالَ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه: جَمِيع أَرض الْمَدِينَة سبخَة. وَاسْتدلَّ- أَعنِي: ابْن خُزَيْمَة- فِي صَحِيحه عَلَى جَوَاز التَّيَمُّم بالسباخ بِحَدِيث عَائِشَة الطَّوِيل الَّذِي فِيهِ: «فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ للْمُسلمين: قد أريت دَار هجرتكم؛ أريت سبخَة ذَات النّخل بَين لابتين وهما الحرتان» فَجَمِيع الْمَدِينَة سبخَة، وَقد أَمر الله- تَعَالَى- بِالتَّيَمُّمِ بالصعيد الطّيب وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قد أعلم أَن الْمَدِينَة طيبَة أَو طابة مَعَ إِعْلَامه إيَّاهُم بِأَنَّهَا سبخَة. ثمَّ قَالَ ابْن خُزَيْمَة فِي آخر كَلَامه: وَفِي هَذَا مَا بَان وَثَبت أَن التَّيَمُّم بالسباخ جَائِز: هَذَا لَفظه وَمن صَحِيحه فِي رحلتي إِلَى الْقُدس الشريف نقلته.

.الحديث السَّادِس:

أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «لَيْسَ للمرء من عمله إِلَّا مَا نَوَاه».
هَذَا الحَدِيث أوردهُ هَكَذَا الإِمَام الرَّافِعِيّ بِصِيغَة الْجَزْم وَلم أر من خرجه كَذَلِك عوضا عَن صِحَّته، وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ مَعْنَاهُ من حَدِيث عبد الله بن الْمثنى الْأنْصَارِيّ قَالَ: حَدَّثَني بعض أهل بَيْتِي عَن أنس بن مَالك «أَن رجلا من بني عَمْرو بن عَوْف قَالَ: يَا رَسُول الله، إِنَّك رغبتنا فِي السِّوَاك فَهَل دون ذَلِك من شَيْء؟ قَالَ: أصبعك سواكك عِنْد وضوئك تمر بهَا عَلَى أسنانك إِنَّه لَا عمل لمن لَا نِيَّة لَهُ، وَلَا أجر لمن لَا حسبَة لَهُ».
وَرَوَى الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر فِي الْمجْلس الأول من أَمَالِيهِ، وَابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه من حَدِيث بَقِيَّة، عَن إِسْمَاعِيل الْبَصْرِيّ، عَن أبان، عَن أنس- رَفعه-: «لَا يقبل قَول إِلَّا بِعَمَل، ولايقبل قَول وَعمل إِلَّا بنية، وَلَا يقبل قَول وَعمل وَنِيَّة إِلَّا بِإِصَابَة السّنة».
قَالَ ابْن عَسَاكِر: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب.
قلت: بل هُوَ حَدِيث ضَعِيف؛ فأبان هَذَا هُوَ ابْن أبي عَيَّاش وَهُوَ مَتْرُوك واه وَرَاوِيه عَن بَقِيَّة هُوَ أَبُو عتبَة أَحْمد بن الْفرج الْحِمصِي وَقد ضعفه مُحَمَّد بن عَوْف الطَّائِي وَابْن جوصاء وَقَالَ ابْن عدي: هُوَ وسيط لَيْسَ مِمَّن يحْتَج بِهِ أَو يتدين بِهِ إِلَّا أَنه يكْتب حَدِيثه. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: كتبنَا عَنهُ وَمحله عندنَا مَحل الصدْق. وَوَقع فِي التَّحْقِيق لِابْنِ الْجَوْزِيّ: «إِيَاس» بدل «أبان» وَهُوَ تَحْرِيف؛ فاحذره، وَبَقِيَّة حَالَته مَعْلُومَة، وَرَوَى الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم هبة الله اللالكائي فِي سنَنه عَن أَحْمد بن أبي طَاهِر الْفَقِيه، أَنا عمر بن أَحْمد، نَا عَلّي بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن يزِيد الريَاحي نَا أبي نَا يَحْيَى بن سليم، نَا أَبُو حَيَّان الْبَصْرِيّ قَالَ: سَمِعت الْحسن يَقُول: «لَا يصلح قَول إِلَّا بِعَمَل، وَلَا يصلح قَول وَعمل إِلَّا بنية وَلَا يصلح قَول وَعمل وَنِيَّة إِلَّا بِالسنةِ».
قلت: وَحَدِيث «إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ...» السالف فِي أول بَاب الْوضُوء كَاف فِي الدّلَالَة عَن هَذَا الحَدِيث، فَإِن الرَّافِعِيّ اسْتدلَّ بِهِ عَلَى إِيجَاب النِّيَّة للتيمم.

.الحديث السَّابِع:

أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَالَ: «لَا صَلَاة إِلَّا بِطَهَارَة».
هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي بَاب الْأَحْدَاث وَاضحا.

.الحديث الثَّامِن:

«أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَالَ لعَمْرو بن الْعَاصِ- وَقد تيَمّم عَن الْجَنَابَة من شدَّة الْبرد-: يَا عَمْرو، صليت بِأَصْحَابِك وَأَنت جنب؟! فَقَالَ عَمْرو: إِنِّي سَمِعت الله تَعَالَى يَقُول: {وَلَا تقتلُوا أَنفسكُم إِن الله كَانَ بكم رحِيما} فَضَحِك النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَلم يُنكر عَلَيْهِ».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه تَعْلِيقا فَقَالَ: «وَيذكر أَن عَمْرو بن الْعَاصِ أجنب فِي لَيْلَة بَارِدَة فَتَيَمم وتلا: {وَلَا تقتلُوا أَنفسكُم إِن الله كَانَ بكم رحِيما} فَذكر ذَلِك للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَلم يعنفه».
وأسنده أَبُو دَاوُد عَن ابْن الْمثنى، نَا وهب بن جرير، نَا أبي، قَالَ: سَمِعت يَحْيَى بن أَيُّوب يحدث، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن عمرَان بن أبي أنس، عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير، عَن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: «احْتَلَمت فِي لَيْلَة بَارِدَة فِي غَزْوَة ذَات السلَاسِل فَأَشْفَقت إِن اغْتَسَلت أَن أهلك، فَتَيَمَّمت ثمَّ صليت بِأَصْحَابِي الصُّبْح، فَذكرُوا ذَلِك للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: يَا عَمْرو، صليت بِأَصْحَابِك وَأَنت جنب؟! فَأَخْبَرته بِالَّذِي مَنَعَنِي من الِاغْتِسَال وَقلت: إِنِّي سَمِعت الله- تَعَالَى- يَقُول: {وَلَا تقتلُوا أَنفسكُم إِن الله كَانَ بكم رحِيما} فَضَحِك نَبِي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَلم يقل شَيْئا».
وأسنده أَحْمد فِي مُسْنده كَذَلِك من حَدِيث ابْن لَهِيعَة عَن يزِيد بن أبي حبيب بِهِ سَوَاء، قَالَ أَبُو دَاوُد: وثنا مُحَمَّد بن سَلمَة، نَا ابْن وهب، عَن ابْن لَهِيعَة وَعَمْرو بن الْحَارِث، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن عمرَان بن أبي أنس، عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير، عَن أبي قيس مولَى عَمْرو بن الْعَاصِ «أَن عَمْرو بن الْعَاصِ كَانَ عَلَى سَرِيَّة...» فَذكر الحَدِيث نَحوه قَالَ: «فَغسل مغابنه وَتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة، ثمَّ صَلَّى بهم...» فَذكر نَحوه وَلم يذكر التَّيَمُّم، قَالَ أَبُو دَاوُد- وَرَوَى هَذِه الْقِصَّة عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن حسان بن عَطِيَّة-: قَالَ فِيهِ: «فَتَيَمم».
وأسنده الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب، أَنا مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم، أَنا ابْن وهب، حَدَّثَني عَمْرو بن الْحَارِث وَرجل آخر، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن عمرَان بن أبي أنس، عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير، عَن أبي قيس مولَى عَمْرو بن الْعَاصِ «أَن عَمْرو بن الْعَاصِ كَانَ عَلَى سَرِيَّة وَأَنَّهُمْ أَصَابَهُم برد شَدِيد لم ير مثله، فَخرج لصَلَاة الصُّبْح فَقَالَ: وَالله لقد احْتَلَمت البارحة، وَلَكِنِّي وَالله مَا رَأَيْت بردا مثل هَذَا، هَل مر عَلَى وُجُوهكُم مثله؟ قَالُوا: لَا. فَغسل مغابنه وَتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة ثمَّ صَلَّى بهم، فَلَمَّا قدم عَلَى رَسُول، سَأَلَ رسولُ الله: كَيفَ وجدْتُم عمرا وصحابته؟ فَأَثْنوا عَلَيْهِ خيرا، وَقَالُوا: يَا رَسُول الله، صَلَّى بِنَا وَهُوَ جنب.
فَأرْسل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى عَمْرو فَسَأَلَهُ، فَأخْبرهُ بذلك وَبِالَّذِي لَقِي من الْبرد، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِن الله قَالَ: {وَلَا تقتلُوا أَنفسكُم} وَلَو اغْتَسَلت مِنْهُ لهلكت، فَضَحِك رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِلَى عَمْرو»
.
وأسنده أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن سلم، نَا حَرْمَلَة بن يَحْيَى، نَا ابْن وهب بِهِ سَوَاء، إِلَّا أَنه لم يذكر الرجل الآخر فِي سَنَده، قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. قَالَ: وَالَّذِي عِنْدِي أَنَّهُمَا لم يخرجَاهُ. لحَدِيث جرير بن حَازِم، عَن يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن يزِيد بن أبي حبيب. ثمَّ ذكر بِإِسْنَادِهِ الرِّوَايَة الأولَى الَّتِي سقناها من طَرِيق أبي دَاوُد ثمَّ قَالَ: حَدِيث جرير هَذَا لَا يُعلل حَدِيث عَمْرو بن الْحَارِث الَّذِي وَصله بِذكر أبي قيس؛ فَإِن أهل مصر أعرف بِحَدِيثِهِمْ من أهل الْبَصْرَة- يَعْنِي: أَن رِوَايَة الْوضُوء يَرْوِيهَا مصري عَن مصري، وَرِوَايَة التَّيَمُّم يَرْوِيهَا بَصرِي عَن مصري- وَجمع الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِجمع حسن فَقَالَ: وَيحْتَمل أَن يكون فعل مَا نقل فِي الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا، فَغسل مَا أمكنه وَتيَمّم للْبَاقِي.
قلت: لَكِن رِوَايَة التَّيَمُّم مُنْقَطِعَة؛ لِأَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير لم يسمع الحَدِيث من عَمْرو بن الْعَاصِ، كَمَا نَص عَلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته لَا جرم جَاءَ فِي الطَّرِيق الثَّانِي مَوْصُولا بِذكر أبي قيس مولَى عَمْرو بن الْعَاصِ بَين عبد الرَّحْمَن وَعَمْرو.
وَصَححهُ الْحَاكِم وَابْن حبَان من هَذَا الْوَجْه كَمَا سلف، وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ من طرق، مِنْهَا عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس: أَن عمرا... فَذكره، وَلم يذكر فِيهِ غسلا وَلَا تيممًا، وَكَذَا من طَرِيق أبي أُمَامَة عَنهُ، ثمَّ ذكر طَرِيقا آخر فِي غسل المغابن كَمَا سلف، وطريقًا آخر فِي التَّيَمُّم، قَالَ عبد الْحق فِي أَحْكَامه: وَمن مَرَاسِيل اللَّيْث: أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَهُ: «يَا عَمْرو، مَا أحب أَنَّك تركت مَا فعلت وَفعلت مَا تركت».
فَوَائِد:
الأولَى: فِي ضبط مَا وَقع فِي الحَدِيث من أَلْفَاظ وَبَيَان مَعْنَاهَا: مَعْنَى أشفقت: خفت. وَأهْلك- بِكَسْر اللَّام- وقُرئ شاذًّا بِفَتْحِهَا. والمغابن- بغين مُعْجمَة وباء مُوَحدَة قبل النُّون-: الآباط وأصول الفخذين، وكل مَا يتَعَلَّق بِهِ الْوَسخ من الْجَسَد. قَالَه عبد الْحق فِي أَحْكَامه وَهُوَ كَذَلِك فِي الصِّحَاح وقَالَ فِي غبن: المغابن الأرفاغ. وَقَالَ فِي رفغ: الأرفاغ: المغابن من الآباط وأصول الفخذين الْوَاحِد رَفْغ ورُفْغ. والعاصي- بِإِثْبَات الْيَاء- أفْصح من حذفهَا.
الثَّانِيَة: يُؤْخَذ من الحَدِيث جَوَاز التَّيَمُّم لخوف التّلف مَعَ وجود المَاء، وجوازه للْجنب، ولشدة الْبرد فِي السّفر، وَسُقُوط الْإِعَادَة، وَصِحَّة اقْتِدَاء الْمُتَوَضِّئ بالمتيمم، وَأَن التَّيَمُّم لَا يرفع الْحَدث، واستحباب الْجَمَاعَة للمسافرين، وَأَن صَاحب الْولَايَة أَحَق بِالْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاة وَإِن كَانَ غَيره أكمل طَهَارَة أَو حَالا مِنْهُ، وَأَن التَّمَسُّك بالعمومات حجَّة صَحِيحَة، وَجَوَاز قَول الإِنسان سَمِعت الله- تَعَالَى- يَقُول، وَالله يَقُول كَذَا وَقد كرهه بِهَذِهِ الصِّيغَة مطرف بن عبد الله بن الشخير التَّابِعِيّ قَالَ: وَإِنَّمَا يُقَال: قَالَ الله- بِصِيغَة الْمَاضِي- وَهَذَا شَاذ؛ فقد قَالَ الله- تَعَالَى-: {وَالله يَقُول الْحق}.
الْفَائِدَة الثَّالِثَة: ذَات السلَاسِل الْمَذْكُورَة فِي الحَدِيث: مَوضِع مَعْرُوف بِنَاحِيَة الشَّام فِي أَرض بني عذرة من وَرَاء وَادي الْقرى بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة عشرَة أَيَّام وَهِي غَزْوَة من غزوات الشَّام، وَهِي بِفَتْح السِّين الأولَى وَكسر الثَّانِيَة، كَمَا ضَبطه الْبكْرِيّ فِي مُعْجَمه وَهُوَ الْمَشْهُور، كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ وَغَيره، وَاقْتصر ابْن الْأَثِير فِي نهايته عَلَى ضم السِّين الأولَى. وَكَانَت هَذِه الْغَزْوَة فِي السّنة الثَّامِنَة من سني الْهِجْرَة فِي جُمَادَى الأولَى، وَعَمْرو بن الْعَاصِ كَانَ أميرها قَالَ ابْن هِشَام: سميت بذلك باسم مَاء بِأَرْض جذام يُقَال لَهُ: السلسل.
قَالَ ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخ دمشق: كَانَت غَزْوَة ذَات السلَاسِل بعد مُؤْتَة فِيمَا ذكره أَصْحَاب الْمَغَازِي إِلَّا ابْن إِسْحَاق فَإِنَّهُ ذكره قبلهَا.
الْفَائِدَة الرَّابِعَة: عَمْرو بن الْعَاصِ أسلم عَلَى يَد النَّجَاشِيّ، كَمَا أخرجه أَحْمد فِي مُسْنده عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، نَا أبي، عَن ابْن إِسْحَاق قَالَ: حَدَّثَني يزِيد بن أبي حبيب... فَذكره بِطُولِهِ، وَذكره أَيْضا الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه فِي تَرْجَمته، وتذكر هَذَا فِي المطارحات، فَيُقَال: صَحَابِيّ طَوِيل الصُّحْبَة كثير الرِّوَايَة، أسلم عَلَى يَد تَابِعِيّ لَا صُحْبَة لَهُ، وَذكره الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه الْمَذْكُور أَيْضا عَن ابْن إِسْحَاق أَيْضا قَالَ: كَانَ إِسْلَام عَمْرو بن الْعَاصِ وخَالِد بن الْوَلِيد وَعُثْمَان بن طَلْحَة عِنْد النَّجَاشِيّ، فقدموا الْمَدِينَة فِي صفر سنة ثَمَان من الْهِجْرَة. اه.

.الحديث التَّاسِع:

«أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ تيَمّم، فَمسح وَجهه وَيَديه».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد سلف فِي الحَدِيث الْخَامِس من حَدِيث أبي الْجُهَيْم، وَسَيَأْتِي فِي الْبَاب من حَدِيث عمار بن يَاسر أَيْضا.

.الحديث العَاشِر:

«أَنه عَلَيْهِ السَّلَام تيَمّم بضربتين؛ مسح بِإِحْدَاهُمَا وَجهه».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهُ كَمَا ستقف عَلَيْهِ وَاضحا فِي الحَدِيث الْآتِي بعده.

.الحديث الحَادِي عشر:

قَالَ الرَّافِعِيّ: يجب اسْتِيعَاب الْيَدَيْنِ إِلَى الْمرْفقين بِالْمَسْحِ كَمَا فِي الْوضُوء؛ لما رُوِيَ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام تيَمّم فَمسح وَجهه وذراعيه» والذراع اسْم للساعد إِلَى الْمرْفق.
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه عَن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الْموصِلِي، ثَنَا مُحَمَّد بن ثَابت الْعَبْدي، نَا نَافِع قَالَ: «انْطَلَقت مَعَ ابْن عمر فِي حَاجَة إِلَى ابْن عَبَّاس، فَقَضَى ابْن عمر حَاجته، وَكَانَ من حَدِيثه يَوْمئِذٍ أَن قَالَ: مر رجل عَلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي سكَّة من السكَك وَقد خرج من غَائِط أَو بَوْل، فَسلم عَلَيْهِ فَلم يرد عَلَيْهِ، حتَّى كَاد الرجل يتَوَارَى فِي السكَك ضرب بيدَيْهِ عَلَى الْحَائِط وَمسح بهَا وَجهه، ثمَّ ضرب ضَرْبَة أُخْرَى فَمسح ذِرَاعَيْهِ، ثمَّ رد عَلَى الرجل السَّلَام، وَقَالَ:
إِنَّه لم يَمْنعنِي أَن أرد عَلَيْك السَّلَام إِلَّا أَنِّي لم أكن عَلَى طهر»
. وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد بن عبيد الصفار من الطَّرِيق الْمَذْكُورَة «ثمَّ ضرب بكفه الثَّانِيَة فَمسح ذِرَاعَيْهِ إِلَى الْمرْفقين».
وَمُحَمّد بن ثَابت هَذَا ضعفه ابْن معِين فَقَالَ مرّة: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ مرّة: ضَعِيف. نعم رَوَى صَالح عَنهُ أَنه قَالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْس، يُنكر عَلَيْهِ حَدِيث ابْن عمر فِي التَّيَمُّم لَا غير، وَالصَّوَاب مَوْقُوف. وَنقل الْبَيْهَقِيّ عَن الدَّارمِيّ عَنهُ: لَا بَأْس بِهِ. وَسَيَأْتِي ذَلِك عَنهُ، وَفِي الضُّعَفَاء لِابْنِ الْجَوْزِيّ عَن لوين أَنه قَالَ فِيهِ: ثِقَة. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بالمتين أكتب حَدِيثه، وَهُوَ أحب إليّ من أُميَّة بن يعْلى وَصَالح المري، رَوَى حَدِيثا مُنْكرا. وَقَالَ البُخَارِيّ: خَالف فِي بعض حَدِيثه فَقَالَ: عَن نَافِع عَن ابْن عمر مَرْفُوعا فِي التَّيَمُّم، وَخَالف أَبُو أَيُّوب وَعبيد الله وَالنَّاس فَقَالُوا: عَن نَافِع عَن ابْن عمر فِعْله. وَقَالَ النَّسَائِيّ: إِنَّه لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن عدي: لَهُ غير مَا ذكرت وَلَيْسَ بالكثير وَعَامة حَدِيثه لَا يُتَابع عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْن هَانِئ: عرضت هَذَا الحَدِيث عَلَى أَحْمد فَقَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر، لَيْسَ هُوَ بِثَابِت مَرْفُوعا.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي كتاب التفرد: لم يُتَابع أحد مُحَمَّد بن ثَابت فِي هَذِه الْقِصَّة عَلَى ضربتين عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَرَوَوْهُ عَن فعل ابْن عمر. قَالَ: وَرَوَى أَبُو أَيُّوب وَمَالك وَعبيد الله وَقيس بن سعد وَيُونُس الْأَيْلِي وَابْن أبي رواد، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَنه تيَمّم ضربتين للْوَجْه وَالْيَدَيْنِ إِلَى الْمرْفقين».
قَالَ أَبُو دَاوُد: وجعلوه فعل ابْن عمر. قَالَ: وَسمعت أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول: رَوَى مُحَمَّد بن ثَابت حَدِيثا مُنْكرا فِي التَّيَمُّم. وَنقل هَذَا عَن أبي دَاوُد الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي أَطْرَافه وَأقرهُ عَلَيْهِ، لَكِن فِي قَوْله: رَوَاهُ ابْن أبي رواد، عَن نَافِع مَوْقُوفا فِي كتاب الألقاب للشيرازي مَا يُخَالِفهُ؛ فَإِنَّهُ رَفعه عَنهُ بِلَفْظ: «التَّيَمُّم ضربتان: ضَرْبَة للْوَجْه، وضربة لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمرْفقين».
وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذَا الحَدِيث لَا يَصح لأجل مُحَمَّد بن ثَابت الْعَبْدي؛ فَإِنَّهُ ضَعِيف جدًّا لَا يحْتَج بحَديثه.
قلت: وَأما الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ فَإِنَّهُ ذكر لَهُ أَشْيَاء تقويه فَقَالَ: أنكر بعض الْحفاظ رفع هَذَا الحَدِيث عَلَى مُحَمَّد بن ثَابت الْعَبْدي، فَقَالَ: قد رَوَاهُ جمَاعَة عَن نَافِع من فعل ابْن عمر، وَالَّذِي رَوَاهُ غَيره عَن نَافِع من فعل ابْن عمر إِنَّمَا هُوَ التَّيَمُّم فَقَط، فَأَما هَذِه الْقِصَّة فَهِيَ عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مَشْهُورَة بِرِوَايَة أبي الْجُهَيْم بن الْحَارِث بن الصمَّة وَغَيره- أَي: بِدُونِ ذِرَاعَيْهِ- وَهَذَا من الْبَيْهَقِيّ دَال عَلَى أَن الْمُنكر من حَدِيثه إِنَّمَا هُوَ رفع الْمسْح إِلَى الْمرْفقين لَا أصل الْقِصَّة وَلَا رِوَايَتهَا من حَدِيث ابْن عمر وَبِه صرح فِي كتاب الْمعرفَة فَقَالَ: وَإِنَّمَا تفرد مُحَمَّد بن ثَابت فِي هَذَا الحَدِيث بِذكر الذراعين فِيهِ دون غَيره. وَالظَّاهِر أَن هَذَا هُوَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ فِيمَا أسلفناه من كَلَامه: «رَوَى حَدِيثا مُنْكرا».
قلت: ولروايته شَاهد من حَدِيث أبي عصمَة عَن مُوسَى بن عقبَة، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي جهيم قَالَ: «أقبل رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من بِئْر جمل إِمَّا من غَائِط أَو من بَوْل، فَسلمت عَلَيْهِ فَلم يرد عَلّي السَّلَام، فَضرب الْحَائِط بِيَدِهِ ضَرْبَة فَمسح بهَا وَجهه، ثمَّ ضرب أُخْرَى فَمسح بهَا ذِرَاعَيْهِ إِلَى الْمرْفقين، ثمَّ رد عَلّي السَّلَام».
ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث خَارِجَة عَن عبد الله بن عَطاء، عَن مُوسَى بن عقبَة، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي جهيم، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بِمثلِهِ. وَأَبُو عصمَة السالف هُوَ نوح بن أبي مَرْيَم ضَعِيف جدًّا وَكَذَا خَارِجَة، والأعرج لم يسمع الحَدِيث من أبي جهيم بَينهمَا عُمَيْر مولَى ابْن عَبَّاس، وَذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «إِمَامه» هَذَا الحَدِيث وَلم يتبعهُ بِتَضْعِيف، وَلَيْسَ بجيد مِنْهُ.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وثابت عَن الضَّحَّاك بن عُثْمَان، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَن رجلا مر وَرَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يَبُول، فَسلم عَلَيْهِ فَلم يرد عَلَيْهِ السَّلَام». إِلَّا أَنه قصر فِي رِوَايَته، قَالَ: وَرِوَايَة يزِيد بن الْهَاد، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، أتم من ذَلِك. ثمَّ سَاقهَا بِإِسْنَادِهِ بِنَحْوِ الَّذِي قبله وَفِيه «وَمسح وَجهه وَيَديه». ثمَّ قَالَ: هَذِه الرِّوَايَة شاهدة لرِوَايَة مُحَمَّد بن ثَابت الْعَبْدي إِلَّا أَنه حفظ فِيهَا الذراعين. قَالَ: وَفعل ابْن عمر التَّيَمُّم عَلَى الْوَجْه والذراعين إِلَى الْمرْفقين شَاهد لصِحَّة رِوَايَة مُحَمَّد بن ثَابت غير منافٍ لَهَا. ثمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيّ عَن الدَّارمِيّ أَنه سَأَلَ يَحْيَى بن معِين، عَن مُحَمَّد بن ثَابت الْعَبْدي فَقَالَ: لَا بَأْس بِهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَذَا قَالَ فِي رِوَايَة الدَّارمِيّ وَهُوَ فِي هَذَا الحَدِيث غير مُسْتَحقّ للنكر بالدلائل الَّتِي ذَكرنَاهَا. قَالَ: وَقد رَوَاهُ جمَاعَة من الْأَئِمَّة عَن مُحَمَّد بن ثَابت: يَحْيَى بن يَحْيَى، ويعلى بن مَنْصُور، وَسَعِيد بن مَنْصُور، وَغَيرهم، وَأَثْنَى عَلَيْهِ مُسلم بن إِبْرَاهِيم وَرَوَاهُ عَنهُ، وَهُوَ عَن ابْن عمر مَشْهُور.
وناقش الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْبَيْهَقِيّ فِيمَا ذكره فَقَالَ فِي كِتَابه الإِمام: ولنذكر مَا يُمكن أَن يَقُوله مخالفه مَعَ الْبَرَاءَة والاستعاذة بِاللَّه من تَقْوِيَة بَاطِل وتضعيف حق فَنَقُول-: مَا أنكرهُ بعض الْحفاظ الَّذِي ذكره الْبَيْهَقِيّ عَنهُ هَل هُوَ أصل الْقِصَّة أم رِوَايَتهَا من حَدِيث ابْن عمر، أَو رفع مُحَمَّد بن ثَابت الْمسْح إِلَى الْمرْفقين؟ قَالَ: وَقد أَشَارَ الْبَيْهَقِيّ إِلَى أَن جِهَة الْإِنْكَار كَونه رَوَاهُ جمَاعَة عَن نَافِع من فعل ابْن عمر، وَقَالَ بعد ذَلِك: وَالَّذِي رَوَاهُ غَيره عَن نَافِع من فعل ابْن عمر إِنَّمَا هُوَ التَّيَمُّم فَقَط. وَهَذَا يدلك عَلَى أَن الْمُنكر إِنَّمَا أنكر رفع الْيَدَيْنِ إِلَى الْمرْفقين لَا أصل الْقِصَّة، وَلَا رِوَايَتهَا من حَدِيث ابْن عمر، فاضبط هَذَا فَإِنَّهُ مَبْنِيّ عَلَيْهِ كثير مِمَّا يَأْتِي، فَإِنَّهُ إِذا كَانَ الْمَشْهُور أصل الْقِصَّة من رِوَايَة أبي الْجُهَيْم وَلَيْسَ فِيهَا ذكر الْمرْفقين، فَلَيْسَ ينفع ذَلِك فِي تَقْوِيَة رِوَايَة مُحَمَّد بن ثَابت، بل قد عده خصومه سَببا للتضعيف، وَأَن الَّذِي فِي الصَّحِيح فِي قصَّة أبي الْجُهَيْم وَيَديه وَلَيْسَ فِيهِ وذراعيه.
وَقَالَ فِي قَول الْبَيْهَقِيّ: وثابت عَن الضَّحَّاك... إِلَى آخِره كَمَا سلف: الضَّحَّاك بن عُثْمَان لم يذكر الْقِصَّة بِتَمَامِهَا، وَإِنَّمَا يثبت بهَا تَقْوِيَة لرِوَايَة مُحَمَّد بن ثَابت إِذا كَانَ الْمُنكر أصل رِوَايَته عَن نَافِع عَن ابْن عمر الْقِصَّة فِي الْجُمْلَة، وَقد يُقَال حِينَئِذٍ إِن رِوَايَة الضَّحَّاك وَإِن قصرت فَهِيَ تدل عَلَى أَن الْقِصَّة فِي الْجُمْلَة صَحِيحَة من رِوَايَة ابْن عمر، فَأَما إِذا كَانَ الْمُنكر عَلَى مُحَمَّد بن ثَابت رفع الْيَدَيْنِ إِلَى الْمرْفقين لم تفد رِوَايَة الضَّحَّاك تَقْوِيَة لذَلِك.
قَالَ: وَقَوله: وَرِوَايَة يزِيد بن الْهَاد، عَن نَافِع أتم من ذَلِك فِيهِ من الْبَحْث مَا قبله.
قَالَ: وَقَوله: إِلَّا أَنه حفظ فِيهَا الذراعين. هُوَ الَّذِي خَالفه فِيهِ غَيره، وَلَو قَالَ إِلَّا أَنه ذكر الذراعين لَكَانَ أسلم وَأقرب إِلَى الْخَلَاص؛ فَإِن هَذِه الصِّيغَة تذكر كثيرا عِنْد تَصْحِيح مَا رَوَاهُ الرَّاوِي إِذا خُولِفَ.
قَالَ: وَقَوله: وَفعل ابْن عمر التَّيَمُّم عَلَى الْوَجْه والذراعين إِلَى الْمرْفقين شَاهد لصِحَّة رِوَايَة مُحَمَّد بن ثَابت غير منافٍ لَهَا. أما أَنه غير منَاف فَصَحِيح، وَأما أَنه شَاهد لصِحَّة رِوَايَة مُحَمَّد بن ثَابت فَفِيهِ نظر؛ لِأَنَّهُ لم يُوَافق مُحَمَّد بن ثَابت فِي رفع الذراعين إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، بل هُوَ الْعلَّة الَّتِي علل بهَا من علل رِوَايَة مُحَمَّد بن ثَابت وَهُوَ الْوَقْف عَلَى فعل ابْن عمر، فَكيف يكون الْمُقْتَضِي للتَّعْلِيل مقتضيًا للتصحيح؟!
قَالَ: وَمَا نَقله عَن يَحْيَى بن معِين من طَرِيق الدَّارمِيّ فِي حق مُحَمَّد بن ثَابت الْعَبْدي قد خَالف غَيره عَنهُ كَمَا سلف.
قَالَ: وَقَوله: وَهُوَ فِي هَذَا الحَدِيث غير مُسْتَحقّ للنكر بالدلائل الَّتِي ذكرتها. قد أَشَرنَا إِلَيْهَا وَمَا ننبه عَلَيْهِ فِيهِ. قَالَ: وَقصد بِذكر من رَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن ثَابت من الْأَئِمَّة تَقْوِيَة أمره، وَقَوله: وَأَثْنَى عَلَيْهِ مُسلم بن إِبْرَاهِيم، أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم لما رَوَى عَنهُ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّد بن ثَابت الْعَبْدي وَكَانَ صَدُوقًا، وَصدقه لَا يمْنَع أَن يُنكر عَلَيْهِ مُنكر رفع هَذَا الحَدِيث عَلَى حكم الْغَلَط عِنْده لمُخَالفَة غَيره لَهُ عَلَى مَا هُوَ عَادَة كثير من أهل الحَدِيث أَو أَكْثَرهم.
قَالَ: وَقَوله: وَهُوَ عَن ابْن عمر مَشْهُور. قد توهم من لم يفهم الصِّنَاعَة أَن الحَدِيث مَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن ثَابت عَن نَافِع عَن ابْن عمر مَرْفُوعا مَشْهُور، وَلَيْسَ الْمَشْهُور إِلَّا رِوَايَته عَن ابْن عمر فعله، نعم هَا هُنَا شَيْء ننبه عَلَيْهِ وَهُوَ أَنه إِنَّمَا يقوى تَعْلِيل رِوَايَة مُحَمَّد بن ثَابت المرفوعة بِرِوَايَة من رَوَى مَوْقُوفا عَلَى ابْن عمر إِذا لم يفترقا إِلَّا فِي الرّفْع وَالْوَقْف، فَأَما إِذا ذكر مَوْقُوفا ثمَّ ذكر الْقِصَّة مَرْفُوعا فَلَا يقوى تِلْكَ الْقُوَّة فِي التَّعْلِيل عِنْدِي، وَإِنَّمَا قد يُمكن أَن يُعلل بِرِوَايَة من رَوَى الْقِصَّة من غير ذكر الْمرْفقين عَلَى مَذْهَب بعض أهل الحَدِيث أَو أَكْثَرهم إِذا كَانَ الْمُخَالف للرواي للقصة أحفظ وَأكْثر. انْتَهَى كَلَامه.
وَنقل الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة عَن الإِمَام الشَّافِعِي أَنه قَالَ: إِنَّمَا منعنَا أَن نَأْخُذ بِرِوَايَة عمار فِي الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ ثُبُوت الحَدِيث عَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «أَنه مسح وَجهه وذراعيه» وَإِن هَذَا أشبه بِالْقُرْآنِ وَالْقِيَاس أَن يكون الْبَدَل من الشَّيْء مثله. ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: حَدِيث عمار هَذَا أثبت من حَدِيث الذراعين إِلَّا أَن حَدِيث الذراعين جيد لشواهده.
قَالَ الشَّافِعِي وَالْبَيْهَقِيّ: وأخذنا بِحَدِيث مسح الذراعين؛ لِأَنَّهُ مُوَافق لظَاهِر الْكتاب. وَالْقِيَاس أحوط. وَقَالَ الْخطابِيّ: الِاقْتِصَار عَلَى الْكَفَّيْنِ أصح فِي الرِّوَايَة وَوُجُوب الذراعين أشبه فِي الْأُصُول وَأَصَح فِي الْقيَاس.
قلت: فَهَذَا مُرَجّح آخر للأخذ بِهِ.